فنّان:
چوستاڤو سچورسكي
أمين المعرض:
اوريت سيمان-طوڤ
يُقدم المعرض مشروع تصوير
لچوستاڤو سچورسكي يقام في
إطار “شرائح مدينة”
www.city-slivers.com
مشروع “شرائح مدينة”، الذي يقام للسنة الثالثة على التوالي، بُنيَ تدريجياً حتى تكونت صورة مُركّبه لمدينة قديمة-حديثة بمراحل تكوينها. هذه السنة يعرض اربعة مُصوّرين – چاليه چور زئيڤ، يعكوڤ يسرائيل، ينيڤ ڤيسه وچوستاڤو سچورسكي- مقاطع من صور لچڤعات شاؤول، شارع يافا، بيت هكيريم والتلپيوت.
ليمونادة
يقول المثل الشعبيّ الشهير “عندما تأتيك الحياة بالليمون، فإصنع منه الليمونادة”. وكما يبدو فإن لهذا التوجه تأثير جديّ على النشاط الفنيّ لﭽوستاﭬو سجورسكي. على أية حال، هذا هو الوضع، دون أدنى شك، في هذا المعرض، والذي يُعرض في ورشات الفنانين في القدس، في قلب المنطقة الصناعيّة لحيّ تلبيوت. في احدى الصور نرى سجورسكي وقد اعتلى سطح ورشات الفنانين. في الخلفيّة نرى المنطقة الصناعيّة، حيث تبرز يافطات لل”المجمع التجاريّ ليڤ تلبيوت” و”رامي ليفي”. يحملُ سجورسكي في كل يد ريشة عملاقة، تبدوان وكأنهما تحملاه في الهواء، يظهر كالساحر او الملاك، القادر على جلب السحر إلى هذا المكان الضوضائي والقبيح. سرواله القذر علامة على كونه واحدا من العمال الكُثر الذين يكتظ بهم المكان، ولكنه يرتدي الجوارب في قدميه وكأنه في البيت، في مكان حميميّ ومحميّ أكثر. إنه ينتمي ولا ينتمي، ينظر من الداخل وفي نفس الوقت من الخارج. في العديد من الأعمال تظهر أغراضاً جمعها سجورسكي. مُخلّفات ما من طالب لها – ورقة نبات من البلاستيك، حبة بطاطا مقشرة تلطخت بدخان أسود، مِظلّة مكسورة، مرآة سيارة، وأشياء مهجورة، فقط معجزة أو نعمة ما بإمكانها أن تنقذها من مصيرها وتغرس فيها الحياة. أعمال أخرى تكشف، بواسطة التصوير، جمالاً كان غائباً عن الأنظار – قميص قذر لعامل طباعة، يبدو كلوحة معبّرة؛ شجرة سرو قزمة وجدار أزرق يتحوّلان بفعل التصوير الفوتوغرافيّ إلى منظر طبيعيّ مقدسيّ لشجرة سرو وفي خلفيتها سماء زرقاء؛ حجر مالس، بعض العصي وزجاج مكسور على الأسفلت تتحول إلى أشكال هندسيّة مُجردّة. تركيبات وبعض التلاعب يُخرج من الأغراض قوة جديدة ومفاجئة. في حين أن التصوير لا يُخفي مصدرها، بؤسها، ووضعها الرثّ، وإنما يثبت في كل مرّة من جديد الإمكانات الكائنة بالخراب، وقدرة المصوِّر عندما ينشط ككيميائيّ.
يعرض الفيلسوف الأمريكيّ وليم جيمس، نظرة فريدة من نوعها حول طبيعة التجربة، بقوله: ان طعم الليمونادة (عصير الليمون) هو ليس مزيج من نكهة الليمون وطعم السكر. دمج الأشياء بعضها مع بعض يولّد فينا تجربة جديدة، لا يمكن تمييزها بناء على التجارب المنعزلة التي تُصاحب المكونات ، المعطاة لنا. الكامل يختلف بشكل جوهريّ عن مجموع أجزائه. هذا هو مصدر قوة التجميع.
الارج والداخلخ
الأستوديو هو معقِل الفنان. فيه هو المشرِّع والقانون، حيثُ يُعيد تصميم الزمان والمكان. خروج الفنان من الاستوديو إلى الأماكن العامة، تجميع قطع من العالم، يجعل الفنان يلتقي مع الواقع، ولكن ثراء التجربة يُنتِج مساحة واسعة من الحرية. تعرِض هذه الأعمال الفنيّة الجدليّة ما بين الداخل والخارج. يجمع سجورسكي أغراضا من الخارج ويأتي بها الى الاستوديو، حيث ينفث فيها روح لحياة جديدة. في سلسلة أعمال سابقة، إستعمل بقايا العاب سيارات وقطع مكسّرة، وأعادها إلى مجال قابلية الاستخدام واللعب، ومنحها المزيد من الوقت، تجسدّت من جديد، ثوان قبل زوالها. في أعمال هذا المعرض التحوّل مُخفّف، خلاص الأغراض يظهر في حلة من الجمال، ومن الممكن أن نفترض أنه تم رميّها لحظات بعد التصوير. الوقت الذي مُنحته كان قصيراً، لحظة خلاص قبل مصير لا مفر منه. في هذا التحوّل تصبح الأغراض ذاتها الفضاء. اللقاء المباشر حيثُ تتكوّن التجربة من القدرة على الشمّ، التذوق، السمع واللمس كلها تُستبدل بالتصوير، إلى غرض يكمن في ومعطى إلى حاسة النظر، بشكل تام. ولكن على الرغم من أننا نواجه هذه الأغراض من خلال مجال الرؤية، ينجح سجورسكي في الحفاظ على شيء من الشحنات الحسيّة التي تحملها معها. ماديّة ونسيج الصور الفوتوغرافيّة تجذب أصابعنا، وتثير فينا رغبة للمسها.
قريب، أقرب
حيّ تلبيوت، هو ليس أجمل أحياء القدس. ككل أحياء القدس، نجد فيه زوايا حسناء، ولكنه معروف، قبل كل شيء، بسبب وجود المنطقة الصناعيّة فيه، المُزدحمة والقبيحة، حيث تتواجد ورشات عمل الفنانين وحيث يُقدّم هذا المعرض. على أية حال، فهذا هو الإنطباع الذي تعيش في كنفه عندما تنظر مباشرة ومن بعيد إلى الحيّ. ولكن هناك اختلاف، على ما يبدو، بين النظر إلى الأسفل، والنظر عن قرب. يتجلىّ هذا الإختلاف بنظرة متعاطفة تسمحُ برؤية الإمكانات الدفينة للمكان. في احدى الأعمال المُشاركة نرى تدريب في ملعب لكرة القدم بالقرب من مسجد. في الواجهة أولاد يلعبون على دراجة، يتم إلتقاط الصورة في اللحظة التي يقوم احدهم برفع العجلة الأماميّة للدراجة. إنها إحالة لل”لحظة الحاسمة” في التصوير الفوتوغرافيّ، والتي تؤكد على عدم وجود لحظات كهذه في الأعمال الأخرى. يعمّ الضباب المشهد، مما يُضفي عليه هالة من أجواء رومانسية ومتأملة، وتبدو الصورة وكأنها التقطت لمنظر طبيعيّ في قلب المدينة. ولكن هذا المنظر الطبيعي مشحون تماما. إنها النظرة الوحيدة المصوبة عن بُعد والمعبأة بسياقات جمّة. لا يُمكن الا نرى فيها آثار الحبر من الفترة الإستعماريّة والنظرة المُستمتعة والمنبهرة من كل غريب.
إنتاج إنبهار من هذا النوع في العصر الذي نعيش فيه هو فعل على حدود الهزل، أكثر من أي شيء فإنه يلقننا درسا في عدميّة النظر إلى القدس من بعيد. القدس مكان مشحون من نواح عدّة، وتمثيلها مشحون هو ايضاً حتى النُخاع. المُقدّس يظهر حتى في الدنيوي، واستراتيجية التمثيل التي تُشير إلى النظرة الإستعمارية تؤكد على هذا الدور. القدس مدينة مسكونة. لا يمكن النظر إليها من مسافة بعيدة دون إيقاظ أشباحها. يبقى إذا النظر إليها عن كثب، أقرب ما يمكن، وتخليص الدنيوي منها من خلال إكراهها للدخول إلى إطار حميميّ، ومصادرتها من العامة. ينتج الفضاء في المجال الحميميّ، وفعل التحديد وترسيم الحدود يترك خلفه الشحنات التاريخية والسياسية لصالح خلق علاقة جديدة مع المدينة وإقامة حوار.
تصميم بارع
الدهشة أمام جمال الطبيعي هي عادة قديمة. في علم اللاهوت، هذه الدهشة كانت كافية لإثبات وجود الله – وفقا للإدعاء انه فقط قوة بارعة بإمكانها إنتاج إنسجام وجمال مثل ذلك الذي نجده في الطبيعة. الداروينيّة والعلوم الطبيعيّة فندوا هذا الإدعاء، من خلال توفير شرحا تاريخياً ودنيوياً للنظام الموجود في الطبيعة، وحتى الآن، لم تتغير الدهشة، ولا يزال لجمال الطبيعة وقع على اذاننا ومكان سام.
أنسجة وأشكال طبيعية تظهر في العديد من الأعمال المُشاركة – رقعة مرقطة على مظلة، عروق ورقة من البلاستيك، قطعة من القماش تبدو كنبتة او كائن مائي، ندبة إلتأمت حتى بدت كنبتة الصبار أو عشب نباتي وشعر الإبط يبدو كجذورها. بين الطبيعيّ والإصطناعيّ تشقّ إمكانيّة ثالثة طريقها: طبيعيّ اصطناعيّ، عضويّة مُصنّعة.
التلميح هو لوجود مزعوم لحاجز، والفعل هو انتهاكه وتضليل الحدّ. يبدو أن أوج هذه العمليّة يظهر في تصوير الندبة على الكتف – الجلد، الذي يشير إلى الحدود ما بين الداخل والخارج، يحمل ذكرى اختراق الحدود وآثار الإنصهار. وفي الوقت نفسه، من الصدمة ينتج جمال جديد على يد بشريّة. الندبة هي أيضا تذكير على مرور الوقت. الزمن يداوي كل الجروح، كما يقال، ولكن أثارها لا تمحى تماما. الشفاء لا يساوي الحذف، وإنما يتجسد في التحوّل.
التحوّل، بذوغ الجمال من الشظايا، من المكسور، الرث والممزق هو عبارة عن استراتيجية تعود على ذاتها في هذه الأعمال لسجورسكي، حيث يأخذ المصوّر على عاتقه دور الساحر- يمنح الوقت، يخلق الجمال، يوحِّد أجزاء الواقع.
ليئات لافي
و.جي.تي ميتشل، مناظرطبيعيّة مقدّسة (تل ابيب:ريسلينج، ٢٠٠٩)